الكليات التقنية.. هل هي منافذ لزيادة نسبة البطالة؟!
هل نرى خيار التأهيل المنتهي بالتوظيف -واقعا- تسعى الكليات التقنية لاستصداره دعما لطلابها من الجهات ذات العلاقة؟ أم سيبقى الوضع على ما هو عليه وتكون الكليات منفذًا لزيادة نسبة البطالة؟!
د. محمد عثمان الثبيتي
صحيفة المدينة
الأحد 06/04/2014
لا تخفى علينا الفلسفة التي بُنيت عليها إنشاء كليات التقنية؛ إذ إنها مسار يهدف إلى توفير عمالة مُدربة مهنيًا وتمتلك من المهارات ما يُخوِّل لها أن تسد حاجة سوق العمل المُعتمد في أغلب نشاطاته على الأيدي غير الوطنية التي اكتسبت مهاراتها من التجريب المُستمر وليس على التأهيل العلمي المنهجي، مما يجعلني أقول: إن سوق العمل السعودي أكبر مركز تدريب للعمالة التي تأتي وهي لا تفقه شيئًا، وتبدأ مسيرتها العملية في مجموعات أقل ما يُقال عنها أنها "لوبيِّات" تتشكل تحت مظلة التستر لتتعلم أبجديات الصنعة بالممارسة، ولكم أن تتخيّلوا مقدار الأخطاء المُرتكبة حتى يتقن هذا العامل مهنة مُبرر انخراطه فيها أن أقاربه أو أبناء جلدته يعملون فيها، الأمر الذي يعني أن الميول والرغبات -وهي المُحرِّك لأي إبداع- مفقودة تمامًا.
قادني لما سبق ردود أفعال وصلتني على مقالي المنشور في هذه الصحيفة يوم الأحد الموافق
23 /3 /2014 بعنوان: "معاناة مدربي ومتدربي التدريب التقني مع الإجازات، حيث شكا الكثير من عدم وجود فرص لتوظيف خريجي الكليات التقنية، والمؤلم أكثر أن المتميزين منهم يُعاملون كبقية الخريجين في تجاهل مُزدوج من الكليات لفئة لو مُنحت الفرصة في التأهيل المستمر لحققت لنفسها ولوطنها مكاسب نوعية؛ فهذه رسالة ولي أمر يعرض مأساة ابنه -التي تُمثل أنموذجًا للكثير من أبناء الوطن في جميع الكليات التقنية- فيقول الأب المكلوم: ابني أحد خريجي الكلية التقنية تخصص -إلكترونيات صيانة وتحكم- وحاز على تقدير امتياز مع مرتبة الشرف، وبمعدل تراكمي 4,63 من 5، واستلم شهادته منذ عام 1432هـ، ولا يزال يقبع في المنزل خلف شاشات الإنترنت للبحث عن وظيفة!! ويتساءل والد المُتخرج قائلًا: ما فائدة تلك الكليات إذا لم تمنح خريجيها دعمًا معنويًا لدى الجامعات لتعديل شهاداتهم؛ لأني ذهبت لإحدى الجامعات فأفادني مسؤولوها بأن ليس لديهم استعداد لقبوله بهدف معادلة شهادته.
هذه حالة من حالات خريجي الكليات التقنية ومن المؤكد أن ثمة حالات مُشابهة لها تئن ألمًا وحسرة على خارطة وطننا الكبير؛ مما يعني أن هذه الكليات تعمل -فقط- على تأجيل البطالة لمدة تتراوح من سنتين إلى ثلاث سنوات بعد المرحلة الثانوية، مما يجعل الخريج في حالة اكتئاب دائم حتى نوجِّه قدراته الكامنة عن طريق توظيفها كلٌ في الحقل الذي قضى فيه فترة مُنح بناءً على إثرها شهادة علمية، ولعل أبرز ما يُمكن طرحه كحل لهذه المُعضلة المتنامية عامًا بعد عام هو استنساخ الإجراء العملي الذي عالج مُشكلة خريجي الدبلومات الصحية؛ بحيث يُمنح المتخرج دورات تأهيلية في الجامعات تنتهي بالتوظيف سواءً أكان ذلك في القطاع الخاص أم الحكومي، ولا يمنع أن يكون جزء منها تطبيقًا عمليًا في الشركات والمؤسسات ذات النشاط المماثل لتخصص المُتخرج، كما أن على الكليات التقنية الأخذ في الاعتبار الاحتفاظ بالمتميزين من خريجيها في كافة التخصصات ومنحهم فرصة مواصلة الدراسة عن طريق ابتعاثهم للحصول على درجات علمية عالية يعودون بعدها لكلياتهم كمدربين يُساهمون في الرقي بها، فالمُتميز -كما هي حالة المُتخرج الذي عرضت معاناته أعلاه- ثروة يجب ألاَّ تُهمَل مهما كانت المُبررات، وتعالت الأصوات النشاز بأن مُدة تأهيلهم ستستغرق وقتًا طويلًا، فالاستثمار في رأس المال البشري بعيد المدى، ولكنه الأمثل بين بدائل الاستثمار الأخرى.
فهل نرى خيار التأهيل المنتهي بالتوظيف -واقعًا- تسعى الكليات التقنية لاستصداره دعمًا لطلابها من الجهات ذات العلاقة كما هو معمول به في وزارة الصحة؟ أم سيبقى الوضع على ما هو عليه وتكون -أي الكليات- منفذًا لزيادة نسبة البطالة لا أكثر؟!